فصل: قال الشوكاني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي الآثار دلالة على أنهم يكون لهم نور فيطفأ فيقولون ذلك، أخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يدعو الناس يوم القيامة بأمهاتهم سترًا منه على عباده وأما عند الصراط فإن الله تعالى يعطي كل مؤمن نورًا وكل منافق نورًا فإذا استووا على الصراط أطفأ الله نور النافقين والمنافقات فقال المنافقون: انظرونا نقتبس من نوركم، وقال المؤمنون: أتمم لنا نورنا فلا يذكر عند ذلك أحد أحدًا» وفي حديث آخر مرفوع عنه أيضًا «إن نور المنافق يطفأ قبل أن يأتي الصراط».
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي فاختة يجمع الله تعالى الخلائق يوم القيامة ويرسل الله سبحانه على الناس ظلمة فيستغيثون ربهم فيؤتى الله تعالى كل مؤمن منهم نورًا ويؤتى المنافقين نورًا فينطلقون جميعًا متوجهين إلى الجنة معهم نورهم فبينما هم كذلك إذ أطفأ الله تعالى نور المنافقين فيترددون في الظلمة ويسبقهم المؤمنون بنورهم بين أيديهم فيقولون: انظرونا نقتبس من نوركم الخبر، والاخبار في إيتاء المنافق نورًا ثم إطفائه كثيرة وليس في الآية ما يأباه.
وقرأ زيد بن علي. وابن وثاب والأعمش. وطلحة وحمزة {انظرونا} بقطع الهمزة وفتحها وكسر الظاء من النظرة وهي الإمهال يقال أنظر المديون أي أمهله، وضع {انظرونا} بمعنى المهلة وإنظار الدائن المديون موضع اتئاد الرفيق ومشيه الهوينا ليلحقه رفيقه على سبيل الاستعارة بعد سبق تشبيه الحالة بالحالة مبالغة في العجز وإظهار الافتقار، وقيل: هو من أنظر أي أخر، والمراد اجعلونا في آخركم ولا تسبقونا بحيث تفوتونا ولا نلحق بكم.
وقال المهدوي: {انظرونا} بمعنى وهما من الانتظار تقول العرب: أنظرته بكذا وانتظرته بمعنى واحد والمعنى امهلونا {فاسمعون قِيلَ} القائلون على ما روى عن ابن عباس المؤمنون، وعلى ما روى عن مقاتل الملائكة عليهم السلام.
{ارجعوا وَرَاءكُمْ} قال ابن عباس: أي من حيث جئتم من الظلمة أو إلى المكان الذي قسم فيه النور على ما صح عن أبي أمامة {فالتمسوا نُورًا} هناك، قال مقاتل: هذا من الاستهزاء بهم كما استهزءوا بالمؤمنين في الدنيا حين قالوا {آمنا} [البقرة: 14] وليسوا بمؤمنين، وذلك قوله تعالى: {الله يَسْتَهْزِىء بِهِمْ} [البقرة: 15] أي حين يقال لهم ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورًا، وقال أبو أمامة: يرجعون حين يقال لهم ذلك إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئًا فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم بسور وهي خدعة الله تعالى التي خدع بها المنافقين حيث قال سبحانه: {يخادعون الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142]، وقيل: المراد ارجعوا إلى الدنيا والتمسوا نورًا أي بتحصيل سببه وهو الايمان أو تنحوا عنا والتمسوا نورًا غير هذا فلا سبيل لكم إلى الاقتباس منه، والغرض التهكم والاستهزاء أيضًا.
وقيل أرادوا بالنور ما وراءهم من الظلمة الكثيفة تهكما بهم وهو خلاف الظاهر، وأيًا مّا كان فالظاهر أن وراءكم معمول لارجعوا.
وقيل: لا محل له من الإعراب لأنه بمعنى ارجعوا فكأنه قيل: ارجعوا ارجعوا كقولهم {وراءك} أوسع لك أي ارجع تجد مكانًا أوسع لك {نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم} أي بين الفريقين، وقرأ زيد بن علي.
وعبيد بن عمير {فَضَرْبَ} مبنيًا للفاعل أي فضرب هو أي الله عز وجل {بِسُورٍ} أي بحاجز، قال ابن زيد: هو الاعراف، وقال غير واحد: حاجز غيره والباء مزيدة {لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ} أي الباب كما روي عن مقاتل أو السور وهو الجانب الذي يلي مكان المؤمنين أعني الجنة {فِيهِ الرحمة} الثواب والنعيم الذي لا يكتنه {وظاهره} الجانب الذي يلي مكان المنافقين أعني النار {مِن قَبْلِهِ} أي من جهته {العذاب} وهذا السور قيل: يكون في تلك النشأة وتبدل هذا العالم واختلاف أوضاعه في موضع الجدار الشرقي من مسجد بيت المقدس.
أخرج عبد بن حميد عن أبي سنان قال: كنت مع علي بن عبد الله بن عباس عند وادي جهنم يعني المكان المعروف عند بيت المقدس فحدث عن أبيه أنه قال: وقد تلا قوله تعالى: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ} هذا موضع السور عند وادي جهنم.
وأخرج هو وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وغيرهم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إن السور الذي ذكره الله تعالى في القرآن {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ} هو سور بيت المقدس الشرقي (باطنه فيه الرحمة) المسجد {وظاهره مِن قِبَلِهِ العذاب} يعني وادي جهنم وما يليه.
وأخرج عن عبادة بن الصامت أنه كان على سور بيت المقدس الشرقي فبكى فقيل: ما يبكيبك؟ فقال: هاهنا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم ولا يخفى أن هذا ونظائره أمور مبنية على اختلاف العالمين وتغاير النشأتين على وجه لاتصل العقول إلى إدراك كيفيته والوقوف على تفاصيله، فإن صح الخبر لم يسعنا إلا الإيمان لعدم خروج الأمر عن دائرة الإمكان، وأبو حيان حكى عمن سمعت.
وعن كعب الاحبار أنه الجدار الشرقي من مسجد بيت المقدس واستبعده ثم قال: ولعله لا يصح عنهم.
{ينادونهم} استئناف مبني على السؤال كأنه قيل: فماذا يفعلون بعد ضرب السور ومشاهدة العذاب؟ فقيل: ينادي المنافقون والمنافقات المؤمينن والمؤمنات {أَلَمْ نَكُن} في الدنيا {مَّعَكُمْ} يريدون به موافقتهم لهم في الظاهر {قالواْ بلى} كنتم معناكما تقولون {ولكنكم فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ} محنتموها بالنفاق وأهلكتموها {وَتَرَبَّصْتُمْ} بالمؤمنين الدوائر {وارتبتم} وشككتم في أمور الدين {وَغرَّتْكُمُ الامانى} الفارغة التي من جملتها الطمع في انتكاس الإسلام، وقال ابن عباس: {فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ} بالشهوات واللذات {وَتَرَبَّصْتُمْ} بالتوبة {وارتبتم} قال محبوب الليثي: شككتم في الله {وَغرَّتْكُمُ الامانى} طول الآمال، وقال أبو سنان: قلتم سيغفر لنا {حتى جَاء أَمْرُ الله} أي الموت {وَغَرَّكُم بالله الغرور} الشيطان قال لكم: إن الله عفو كريم لا يعذبكم.
وعن قتادة كانوا على خدعة من الشيطان والله ما زالوا عليها حتى قذفهم الله تعالى في النار.
وقرأ سماك بن حرب الغرور بالضم، قال ابن جنى: وهو كقوله: وغركم بالله تعالى الاغترار، وتقديره على حذف المضاف أي وغركم بالله تعالى سلامة الاغترار ومعناه سلامتكم منه اغتراركم.
{فاليوم لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ} أيها المنافقون {فِدْيَةٌ} فداء وهو ما يبذل لحفظ النفس عن النائبة والناصب ليوم الفعل المنفي بلا، وفيه حجة على من منع ذلك، وقرأ أبو جعفر والحسن، وابن أبي إسحق، والأعرج، وابن عامر وهارون عن أبي عمرو ولا تؤخذ بالتاء الفوقية {طَرَفًا مّنَ الذين كَفَرُواْ} أي ظاهرًا وباطنًا فيغاير المخاطبين المنافقين، ثم الظاهر إن المراد بالفدية ما هو من جنس المال ونحوه، وجوز أن يراد بها ما يعم الإيمان والتوبة فتدل الآية على أنه لا يقبل إيمانهم وتوبتهم يوم القيامة وفيه بعد، وفي الحديث: «إن الله تعالى يقول للكافر: أرأيتك لو كان لك أضعاف الدنيا أكنت تفتدي بجميع ذلك من عذاب النار، فيقول: نعم يا رب فيقول الله تبارك وتعالى: قد سألتك ما هو أيسر من ذلك وأنت في ظهر أبيك آدم أن لا تشرك بي فأبيت إلا الشرك».
{مَأْوَاكُمُ النار} محل أويكم {هِىَ مولاكم} أي ناصركم من باب تحية بينهم ضرب وجيع والمراد نفي الناصر على البتات بعد نفي أخذ الفدية وخلاصهم بها عن العذاب، ونحوه قولهم: أصيب بكذا فاستنصر الجزع، ومنه قوله تعالى: {يُغَاثُواْ بِمَاء كالمهل} [الكهف: 29] وقال الكلبي، والزجاج، والفراء، وأبو عبيدة: أي أولى بكم كما في قول لبيد يصف بقرة وحشية نفرت من صوت الصائد:
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه ** مولى المخافة خلفها وأمامها

أي فغدت كلا جانبيها الخلف والإمام تحسب أنه أولى بأن يكون فيه الخوف، قال الزمخشري: وحقيقة مولاكم هي على هذا محراكم ومقمنكم أي المكان الذي يقال فيه هو أولى بكم كما قيل: هو مئنة للكرم أي مكان لقول القائل: إنه لكريم فأولى نوع من اسم المكان لوحظ فيه معنى أولى إلا أنه مشتق منه كما أن المئنة ليست مشتقة من إن التحقيقية، وفي التفسير الكبير إن قولهم ذلك بيان لحاصل المعنى وليس بتفسير اللفظ لأنه لو كان مولى وأولى بمعنى واحد في اللغة لصح استعمال كل لأمنهما في مكان الآخر وكان يجب أن يصح هذا أولى فلان كما يقال: هذا مولى فلان ولما بطل ذلك علمنا أن الذي قالوه معنى وليس بتفسير، ثم صرح بأنه أراد بذلك رد استدلال الشريف المرتضى بحديث الغدير «من كنت مولاه فعليّ مولاه» على إمامة الأمير كرم الله تعالى وجهه حيث قال: أحد معاني المولى الأولى.
وحمله في الخبر عليه متعين لأن إرادة غيره يجعل الأخبار عبثًا كإرادة الناصر والصاحب وابن العم، أو يجعله كذبًا كالمعتق والمعتق ولا يخفى على المنصف أنه إن أراد بكونه معنى لا تفسير ما أشار إليه الزمخشري من التحقيق فهو لا يرد الاستدلال إذ يكفي للمرتضى أن يقول: المولى في الخبر بمعنى المكان الذي يقال فيه أولى إذ يلزم على غيره العبث أو الكذب وإن أراد أن ذلك معنى لازم لما هو تفسير له كأن يكون تفسيره القائم بمصالحكم ونحوه مما يكون ذلك لازمًا له ففي رده الاستدلال أيضًا تردد، وإن أراد شيئًا آخر فنحن لا ندري ما هو وهو لم يبينه والحق أنه ولو جعل المولى بمعنى الأولى أو المكان الذي يقال فيه الأولى لا يتم الاستدلال بالخبر على الإمامة التي تدعيها الإمامية للأمير كرم الله تعالى وجهه لما بين في موضعه، وفي التحفة الأثنى عشرية ما فيه كفاية لطالب الحق.
وقال ابن عباس أي مصيركم وتحقيقه على ما قال الإمام: إن المولى بمعنى موضع الولي وهو القرب والمعنى هي موضعكم الذي تقربون منه وتصلون إليه، وأنت تعلم أن الأخبار بذلك بعد الأخبار بأنها مأواهم ليس فيه كثير جدوى على أن وضع اسم المكان للموضع الذي يتصف صاحبه بالمأخذ حال كونه فيه والقرب من النار وصف لأولئك قبل الدخول فيها ولا يحسن وصفهم به بعد الدخول ولو اعتبر مجاز الكون كما لا يخفى، وجوز بعضهم اعتبار كونه اسم مكان من الولي بمعنى القرب لكن على أن المعنى هي مكان قربكم من الله سبحانه ورضوانه على التهكم بهم؛ وقيل: أي متوليكم أي المتصرفة فيكم كتصرفكم فيما أوجبها واقتضاها في الدنيا من المعاصي والتصرف استعارة للاحراق والتعذيب، وقيل: مشاكلة تقديرية {وَبِئْسَ المصير} أي النار وهي المخصوص بالذم المحذوف لدلالة السياق. اهـ.

.قال الشوكاني:

قوله: {يَوْمَ تَرَى المؤمنين والمؤمنات}.
العامل في الظرف مضمر وهو اذكر، أو كريم، أو فيضاعفه، أو العامل في لهم، وهو الاستقرار، والخطاب لكل من يصلح له، وقوله: {يسعى نُورُهُم} في محل نصب على الحال من مفعول ترى، والنور هو الضياء الذي يرى {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبأيمانهم} وذلك على الصراط يوم القيامة، وهو دليلهم إلى الجنة.
قال قتادة: إن المؤمن يضيء له نور كما بين عدن إلى صنعاء، حتى إن من المؤمنين من لا يضيء له نوره إلاّ موضع قدميه.
وقال الضحاك، ومقاتل: وبأيمانهم: كتبهم التي أعطوها، فكتبهم بأيمانهم، ونورهم بين أيديهم، قال الفراء: الباء بمعنى (في): أي في أيمانهم، أو بمعنى (عن)، قال الضحاك أيضًا: نورهم: هداهم، وبأيمانهم: كتبهم، واختار هذا ابن جرير الطبري، أي: يسعى أيمانهم وعملهم الصالح بين أيديهم، وفي أيمانهم كتب أعمالهم.
قرأ الجمهور: {بأيمانهم} جمع يمين.
وقرأ سهل بن سعد الساعديّ، وأبو حيوة: (بإيمانهم) بكسر الهمزة على أن المراد بالإيمان ضدّ الكفر، وقيل: هو القرآن، والجار والمجرور في الموضعين في محل نصب على الحال من نورهم، أي: كائنًا بين أيديهم وبأيمانهم {بُشْرَاكُمُ اليوم جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا} بشراكم مبتدأ، وخبره جنات على تقدير مضاف، أي: دخول جنات، والجملة مقول قول مقدّر، أي: يقال لهم هذا، والقائل لهم هم الملائكة.
قال مكيّ: وأجاز الفراء نصب جنات على الحال، ويكون اليوم خبر بشراكم، وهذا بعيد جدًا {خالدين فِيهَا} حال مقدّرة، والإشارة بقوله: {ذلك} إلى النور والبشرى، وهو مبتدأ، وخبره {هُوَ الفوز العظيم} أي: لا يقادر قدره حتى كأنه لا فوز غيره، ولا اعتداد بما سو اه.
{يَوْمَ يَقول المنافقون والمنافقات} {يوم} بدل من {يوم} الأوّل، ويجوز أن يكون العامل فيه: {الفوز العظيم}، ويجوز أن يكون منصوبًا بفعل مقدّر، أي: اذكر {لِلَّذِينَ ءامَنُواْ} اللام للتبليغ كنظائرها.
قرأ الجمهور {انظرونا} أمرًا بوصل الهمزة وضم الظاء من النظر بمعنى الانتظار، أيّ: انتظرونا.
يقولون ذلك لما رأوا المؤمنين يسرع بهم إلى الجنة.
وقرأ الأعمش، وحمزة، ويحيى بن وثاب بقطع الهمزة وكسر الظاء من الإنظار، أي: أمهلونا، وأخرونا، يقال: أنظرته واستنظرته، أي: أمهلته واستمهلته.
قال الفراء: تقول العرب أنظرني، أي: انتظرني، وأنشد قول عمرو بن كلثوم:
أبا هند فلا تعجل علينا ** وأنظرنا نخبرك اليقينا

وقيل: معنى انظرونا: انظروا إلينا؛ لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم، فيستضيئون بنورهم {نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} أي: نستضيء منه، والقبس: الشعلة من النار والسراج، فلما قالوا ذلك {قِيلَ ارجعوا وَرَاءكُمْ} أي: قال لهم المؤمنون، أو الملائكة زجرًا لهم، وتهكمًا بهم، أي: ارجعوا وراءكم إلى الموضع الذي أخذنا منه النور {فالتمسوا نُورًا} أي: اطلبوا هنالك نورًا لأنفسكم، فإنه من هنالك يقتبس، وقيل: المعنى: ارجعوا إلى الدنيا، فالتمسوا النور بما التمسناه به من الإيمان، والأعمال الصالحة، وقيل: أرادوا بالنور ما وراءهم من الظلمة تهكمًا بهم: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ} السور: هو الحاجز بين الشيئين، والمراد به هنا الحاجز بين الجنة والنار، أو بين أهل الجنة وأهل النار.
قال الكسائي: والباء في بسور زائدة.
ثم وصف سبحانه السور المذكور فقال: {لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرحمة} أي: باطن ذلك السور؛ وهو الجانب الذي يلي أهل الجنة فيه الرّحمة: وهي الجنة {وظاهره} وهو الجانب الذي يلي أهل النار {مِن قِبَلِهِ العذاب} أي: من جهته عذاب جهنم، وقيل: إن المؤمنين يسبقونهم فيدخلون الجنة، والمنافقون يحصلون في العذاب وبينهم السور، وقيل: إن الرّحمة التي في باطنه: نور المؤمنين، والعذاب الذي في ظاهره: ظلمة المنافقين.
ولما ضرب بالسور بين المؤمنين والمنافقين أخبر الله سبحانه عما قاله المنافقون إذ ذاك، فقال: {ينادونهم أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ} أي: موافقين لكم في الظاهر نصلي بصلاتكم في مساجدكم، ونعمل بأعمال الإسلام مثلكم، والجملة مستأنفة كأنه قيل: فماذا قال المنافقون بعد ضرب السور بينهم وبين المؤمنين؟ فقال: {ينادونهم}، ثم أخبر سبحانه عما أجابهم به المؤمنون فقال: {قالواْ بلى} أي: كنتم معنا في الظاهر {ولكنكم فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ} بالنفاق وإبطان الكفر، قال مجاهد: أهلكتموها بالنفاق، وقيل: بالشهوات واللذات {وَتَرَبَّصْتُمْ} بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبمن معه من المؤمنين حوادث الدّهر، وقيل: تربصتم بالتوبة، والأوّل أولى {وارتبتم} أي: شككتم في أمر الدين ولم تصدّقوا ما نزل من القرآن، ولا بالمعجزات الظاهرة {وَغرَّتْكُمُ الأمانى} الباطلة التي من جملتها ما كنتم فيه من التربص، وقيل: هو طول الأمل، وقيل: ما كانوا يتمنونه من ضعف المؤمنين، وقال قتادة: الأمانيّ هنا: غرور الشيطان، وقيل: الدنيا، وقيل: هو طمعهم في المغفرة، وكل هذه الأشياء تدخل في مسمى الأمانيّ {حتى جَاء أَمْرُ الله} وهو الموت، وقيل: نصره سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم.
وقال قتادة: هو إلقاؤهم في النار {وَغَرَّكُم بالله الغرور} قرأ الجمهور {الغرور} بفتح الغين، وهو صفة على فعول، والمراد به: الشيطان: أي خدعكم بحلم الله، وإمهاله الشيطان.